قبل البداية يتحكم في مرض السكري الكثير من العوامل، قد تكون وراثية أو مرضية أو نتيجة الإهمال في الصحة. بالرغم من أن المواد السكرية من أكثر المكونات المطلوبة للجسم، إلا أنّ تناول كمية كبيرة منها بعدم حكمة، خاصة لأولئك الذين لديهم استعداد وراثي، يؤدي في النهاية إلى الإصابة بأمراض، أبرزها مرض السكري، وهو – للأسف – مرض مزمن. استراتيجيات الدماغ تمامًا كمثال مرض السكري، حيث يتبع الدماغ استراتيجيات فعّالة لمساعدة الجسم لمواجهة المواقف الصعبة، وذلك بإطلاق مواد كيميائية وهرمونات، تحفز نشاط الجسم أثناء فترة زمنية معينة، وهي فترة الخطر التي تتمثل في الوقت قبل الامتحانات، فيزداد التركيز، وما إن ينتهي الموقف العصيب، يعود الدماغ إلى نشاطه الطبيعي، لكن الإنسان يدفع ثمن هذا النشاط، سنعرف كيف يحدث هذا الآن، لكن لنتعرف على تفاصيل آليات عمل الدماغ أثناء الامتحان والدراسة. الأدرينالين.. قف وقاتل أو اهرب! هذا شعار الأدرينالين والنورأدرينالين، إما القتال أو الهرب، بعبارة أخرى، إما البقاء والتعامل مع مسببات الضغط والتوتر أو الهروب تمامًا من ساحة المعركة، ما يجعل اندفاع الأدرينالين سلاحًا ذا حدين، فقد يساعدك في الثبات والتعامل مع المواقف العصيبة وتَهيئتك لتصبح أكثر استعدادًا وتأهبًا، مثل ما يحدث في الدماغ مع أغلب الطلاب أثناء فترة الامتحانات أو يساعدك على الهرب، ومن أطرف المواقف – ذات طابع الكوميديا السوداء – ما يحدث لك أثناء الجري من الكلاب مثلًا، فجأة تجد نفسك تجري بسرعة رهيبة (تكاد تطير من فرط السرعة 😂)، ربما لن تصدقني إذا أخبرتك بأنّ هذه استراتيجية من الدماغ، إذ يندفع الأدرينالين إلى مجرى الدم، ثم يوجه الهرمون الدم إلى العضلات القوية في القدمين والساعدين، فيرتفع أداءهم، وتتفاجأ بقدراتك الخفية يا بطل مسابقات الجري مع الكلاب. بالمناسبة، في بعض الأحيان، يُستخدم الأدرينالين في مسابقات الجري، إذ تُعطى جرعات زائدة كمنشطات للاعب، ويحقق أداءً هائلًا. نفس الأمر قد يحدث في مسابقات الخيل، عندما يُحقن الخيل بالأدرينالين ويؤدي السباق بقوة، وما إن ينتهي السباق، يقع الحصان جثة هامدة! أي، مسابقات غير شريفة وقد تودي بحياة حيوان بريء! لنعد إلى موضوعنا، بالنسبة للأدرينالين والنورأدرينالين، هما هرمونان وناقلان عصبيان. يُنتج هذلن الهرمونان في الغدة الكظرية، ثم يُطلقان في الدم، ويساعدان في نقل النبضات العصبية إلى أعضاء الجسم المختلفة، لكن يختلفان عن بعضهما قليلًا، فأحدهما بمثابة القائد يحفز إطلاق إفراز الآخر أثناء الإجهاد. يتمتع الأدرينالين بالعديد من الخصائص، ما يجعل دوره بارزًا في الجسم، لكن تتمثل أعظم تأثيراته في مساعدة الجسم على الاستعداد متبعًا استراتيجية “القتال أو الهرب” – كما ذكرنا – في الأوقات العصيبة، ويتسبب في الآتي: زيادة معدل ضربات القلب. ارتفاع ضغط الدم. توسيع حدقة العينين. توسيع الممرات الهوائية في الرئتين. تغيير في عملية التمثيل الغذائي للجسم، فترتفع نسبة السكر في الدم. إعادة توزيع الدم في العضلات. تحفيز إنتاج النور أدرينالين. نستنتج مما سبق أنّ النور أدرينالين مرتبط بالأدرينالين، فالأخير يحفز إطلاق الأول من النهايات العصبية للجهاز العصبي الودي (وهو يمتد من منطقة الصدر إلى الفقرات القطنية) كما تُفرز كمية قليلة منه من النخاع الكظري. يُفرز الأدرينالين أثناء المواقف العصيبة بسرعة كبيرة خلال فترة زمنية تتراوح ما بين 2 – 3 دقائق من مواجهة الموقف، ويحدث ذلك عبر تنشيط الأعصاب المتصلة بالغدة الكظرية، فيزداد مستوى الأدرينالين في الدم، حيث تتمدد الأوعية الدموية التي توجه الدم إلى القلب والعضلات القوية والقلب، فتزداد كمية الدم المندفعة لهذه المناطق، ما يعزز نشاطها نتيجة ارتفاع ضغط الدم فيها (كما يحدث أثناء سباقِك مع الكلاب). بعد انتهاء الحدث، تنخفض النبضات العصبية المنشطة للغدة الكظرية، فيقل إفراز الأدرينالين. لكن ماذا سيحدث إذا أُفرز الأدرينالين بكميات كبيرة؟ يعاني بعض الأشخاص من السمنة أو مرض انقطاع النفس الانسدادي النومي (وفيه يتوقف تنفس المرء أثناء النوم مؤقتًا، أو يتنفس بشكلٍ متقطع)، في مِثل هذه الحالات، قد يسبب زيادة إفراز الأدرينالين والنورأدرينالين ارتفاع ضغط الدم لديهم. وفي بعض الأحيان، قد يرجع سبب زيادة إفراز هذا الهرمون إلى حدوث ورم في الغدة الكظرية، يُسمى بـ “ورم القواتم”، (وهو ورم حميد نادر الحدوث، يُصيب الغدة الكظرية على وجه التحديد). لكن في بعض الحالات، قد لا تظهر أعراض زيادة إفراز الأدرينالين. وهنا سؤال آخر يطرح نفسه، ماذا سيحدث إذا لم يُفرز الأدرينالين؟ الأدرينالين والنورأدرينالين متشابهان إلى حد كبير، ما يجعل النورأدرينالين بديلًا فعّالًا في حالة غياب الأدرينالين، وغالبًا يغيب في حالات محدودة ونادرة مثل فقد الغدد الكظرية نتيجة جراحة أو بسبب مرض ما، وهنا يتميز النورأدرينالين الذي يعتمد على الغدة الكظرية في إفرازه بنسبة ضئيلة نسبيًا، تُقدر بنحو 10% فقط، بينما الـ 90% الآخرين يفرزون من الجهاز العصبي. لذلك، لا يتسبب غياب الأدرينالين في مشكلات طبية كبيرة، بينما قد تحدث اضطرابات بسبب نقص إفراز إنزيم الكاتيكولامين، وهو أحد الهرمونات المفرزة من الغدة الكظرية، وله دور بارز في التعامل مع المواقف العصيبة. الكورتيزول والإجهاد المزمن قبل التعرف على دور الكورتيزول في الدماغ في الامتحان، ينبغي التفريق بين الإجهاد الحاد والمزمن، أما الإجهاد الحاد فهو يحدث نتيجة الضغط قصير المدى، مثلًا قبيل الامتحان بدقائق أو ساعات قصيرة أو الضغط على الفرامل فجأة لتجنب وقوع حادث، لذا يُسمى بـ “الإجهاد الحاد”، إذ تتركز فيه الأعراض خلال فترة زمنية أقصر، ما يؤدي إلى زيادة معدل ضربات القلب وحدوث تقلصات أقوى لعضلةِ القلب، وتُفرز هرمونات التوتر مثل الأدرينالين والنورأدرينالين والكورتيزول. وعن الإجهاد المزمن، فهو الذي يتعرض له الجسم لمسافة طويلة نسبيًا وهنا يأتي دور الكورتيزول، وهو هرمون ستيرويدي، يُفرز في حالات الإجهاد من قشرة الغدة الكظرية بتحفيز من الفص الأمامي للغدة النخامية، وله دور بارز في حالات الإجهاد المزمن أو طويل المدى، إذ يساهم في تغيير عملية التمثيل الغذائي في الجسم من خلال رفع مستوى الجلوكوز في بلازما الدم. الإجهاد طويل المدى وعواقب وخيمة قد يتسبب الإجهاد المزمن الذي يتعرض له الشخص لفترة زمنية طويلة في إصابة الإنسان بمشاكل في القلب والأوعية الدموية، من خلال زيادة معدل ضربات القلب، فيزداد ضغط الدم، بالإضافة إلى إنتاج كميات كبيرة من هرمونات التوتر والإجهاد، كل هذا يؤدي إلى الإصابة بالسكتة الدماغية أو نوبة قلبية وقد يحدث التهاب للأوعية الدموية، خاصة في الشرايين التاجية، ويُعتقد وجود رابط بين هذه الشرايين والنوبات القلبية. لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، ففي دراسة نُشرت في مجلة “Scientific Reports” عام 2017، بقيادة الدكتور “Takanobu Yoshii”، اتضح دور الضغط النفسي الشديد في ضمور القشرة البصرية والمهاد (وهو يقع بين نصفي الدماغ). قدرات خارقة قبل الامتحان.. ما السبب؟ من أهم توجيهات فترات الامتحانات أن تترك الأوراق أو الكتب الخاصة بالمذاكرة قبل الامتحان بنحو ساعة أو اثنين بحجة أنه لا فائدة من هذا الإجهاد، والأولى إعطاء الدماغ فرصة للراحة والاستعداد قبل الامتحان والدخول إلى معمعة استرجاع المعلومات. نقلًا عن موقع “Daily Mail“، قد تكون المراجعة المكثفة قبل الامتحان مباشرة أفضل في حفظ المعلومات من قضاء شهور كثيرة في الاستعداد! (صدمة، أليس كذلك؟) ويرجع السبب في ذلك إلى الهرمونات التي يفرزها الجسم أثناء فترات الضغط، حيث تُحدث تغيرات في خلايا الدماغ، ما يساعد في تخزين المعلومات بكفاءة أكبر من المعتاد. في هذا الصدد، علق “Hans Reul“، وهو عالم أعصاب في جامعة بريستول البريطانية، وقال لـ Daily Mail: “يعزز هرمونا الكوتيزول والأدرينالين آلية التعديل الجيني، ما يزيد أو ينقص التعبير لجينات محددة”، وأضاف: “نلاحظ أننا نحتفظ بالذكريات الحزينة زيادة عن السارة.. ويحدث هذا بسبب التوتر والضغط، ما يجعلنا نتذكر الأشياء التي تؤذينا أو تهددنا، هذه وجهة نظر بيولوجية”. أوضح دكتور هانز أنّ هرمونات الإجهاد هذه ترتبط بمستقبلات معينة في الدماغ، ما يعزز قدراتنا على التعلم والتذكر، فعندما تزيد مستويات هرمونات التوتر، يعزز هذا تكوين الذكريات في الحُصين (وهو منطقة في الدماغ البشري، ترتبط بالذاكرة والتعلم مباشرةً). من ناحية أخرى، تساعد آلية تعديل الجينات في تكوين شبكة كبيرة من الخلايا العصبية، وقال إنّ هذه الهرمونات قد تساعد في تكوين ذكريات قوية تنشط أثناء التعرض لموقف مماثل، لتحذر الإنسان من التهديد المحتمل، لكنه في آخر تصريحاته أشار إلى العواقب السيئة لإفراز كميات كبيرة من هرمونات التوتر. لكن قد تضعف الذاكرة في دراسة نُشرت عام 2016، في مجلة “npj Science of Learning” بقيادة الدكتور “Lars Schwabe“، رئيس قسم علم النفس المعرفي بجامعة هامبورغ الألمانية، اتضح أنّ الإجهاد قد يُضعف الذاكرة ويُصعب استرجاع المعلومات أثناء فترة الامتحانات. في نفس الوقت، قد تُعزز هذه الهرمونات الذاكرة في ظروف فسيولوجية محددة. وأخيرًا، ربما تكون قد عرفت السبب في ارتفاع قدرات الطالب وتحصيله العالي للمواد الدراسية في المواصلات قبل الامتحانات بوقت قصير، وربما وصلتك فكرة أنّ رد الفعل أو الاستجابة تختلف من شخص لآخر، ما يفسر ضعف أو قوة الذاكرة للطلبة أثناء الامتحان. ولا بد من أنك عرفت سبب ارتفاع أداء الدماغ أثناء فترة الامتحانات وهو الهرمونات التي يرتفع مستواها، فتشعر بطاقة كبيرة، ما يزيد حماسك لخطط الإجازة، وما إن تأتي، تعود الهرمونات إلى مستواها الطبيعي، وتلهو مع أصدقائك. لكن ما عليك فعله حقًا، ألا تنتظر الساعات الأخيرة قبل الامتحان للمذاكرة لأول مرة، فقد تخونك ذاكرتك أو بعبارة أخرى تبيعك دماغك ولا تنتج هرمونات الضغط بالصورة المعززة للذاكرة،
تعليقات
إرسال تعليق